لقد أخذت أسباب المساهمة في البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر حيزًا كبيرًا من الاهتمام. لكن عقدًا ونيف قد مضى منذ نشر ورقة بحثية درست تلك الأسباب ﻷول مرة وتغير العالم كثيرًا في تلك الأثناء. ستشارك هذه المقالة سبعة استنتاجات من دراسة بحثية أعادت النظر في البحث السابق حيث سألت مجموعة من المساهمين في المصدر المفتوح عما يحفزهم في يومنا هذا.

هناك ثلاثة استنتاجات قد تنفع مديري مجتمعات المصدر المفتوح في زيادة عدد أعضائها، كما تنفع المنظمات التي ترغب في أن تفهم سلوك أعضاء تلك المجتمعات وأي شخص يعمل مع آخرين في المصدر المفتوح. يساعدنا هذا الفهم لِما يحفّز المساهمين المعاصرين بأن نتخذ قرارات مؤثرة.

 

تاريخ مختصر للأبحاث حول دوافع مساهمي المصدر المفتوح

بدايةً علينا أن نبحث في أصول المصدر المفتوح والبرمجيات الحرة كي ندرك روعة دراسة ما يحفز المساهمين في هذه المجالات. نشأت حركة البرمجيات الحرة عصيانًا للشركات التي استخدمت حقوق الملكية وقواعد الترخيص لتقييد حريات المستخدمين والمبرمجين. قصة حركة البرمجيات الحرة هي قصة تمرد. صَعُب على الكثيرين فهم نشوء برمجيات ذو جودة عالية من بين أيدي مجموعة ”تحك جلدها بظفرها“ أو تقدم مهاراتها ”طواعيةً“. في نواة حركة البرمجيات الحرة نَمَت طريقة تعاونية في صناعة البرمجيات وصارت لاحقًا محط اهتمام الشركات أيضًا. صعود المصدر المفتوح كان نقلة فلسفية جعلت تلك الطريقة التعاونية متاحة ومقبولة من قِبل الشركات.

نُشر أحدث الأبحاث عن المحفزات للمصدر المفتوح في عام ٢٠١٢ ويلخص الدراسات البحثية التي مضى عليها عقدٌ من الزمن. قام «غوردون هاف» بمراجعة هذا الموضوع في مقالة «لماذا نساهم في برمجيات المصدر المفتوح؟» وكذلك نشرت روث سيلي مقالاً بعنوان «الدافع والحافز: تلخيص ويبكاست لدانيل بينك».

في الأعوام العشر المنصرمة تغيّر الكثير في المصدر المفتوح. مع ازدياد اهتمام الشركات به وتعيين موظفين للعمل على تلك المشاريع آن الأوان لمراجعة الحوافز وراء العمل في المصدر المفتوح.


حوافز المساهمين المتغيرة

في دراستنا العلمية، «الرمال المتحركة للحوافز: إعادة النظر لما يدفع المساهمين في المصدر المفتوح»، تحرينا أسباب انضمام البعض لمشاريع البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر وما الأسباب في استمرار مساهمتهم بها. وكانت أحد أهدافنا معرفة كيف تغيرت المحفزات منذ الألفينات. وكان هدفٌ آخر نقل البحث لمستوى جديد وتحري كيف تتغير المحفزات عند الأشخاص أنفسهم مع استمرارية المساهمة. هذا البحث ناتج عن استبيان أجابه ثلاثمئة مساهمٍ في البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر في أواخر عام ٢٠٢٠.

 

الاستنتاجات السبعة الأساسية

بعض نتائج الدراسة كانت كما يلي:

  1. تلعب الحوافز الداخلية دورًا مهمًا. الأغلبية العظمى من المساهمين في البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر حددوا المتعة (٩١٪) والإيثار (٨٥٪) والرفقة (٨٠٪) كدوافع لمساهمتهم. إضافةً إلى ذلك، عند تحليل الفروقات في الحوافز للانضمام والاستمرار وجدت الدراسة أن الأيدولوجيا، والاستخدام الشخصي، والبرامج المرتبطة بالدراسة تدفع للانضمام في البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر، لكن الأسباب الداخلية (من متعة وإيثار وسمعة ورفقة) هي التي تحفز الاستمرارية.
     
  2. السمعة والمسيرة المهنية أثمن من الدفع المادي. يسعى الكثير من المساهمين إلى الحصول على السمعة (٦٨٪) والمسيرة المهنية (٦٧٪). بينما أشار إلى الربح أقل من ٣٠% من المشاركين. مما يعني أن السمعة أصبحت أكثر أهمية مقارنةً بالدراسات السابقة.
     
  3. الجوانب الاجتماعية حازت على أهمية بالغة منذ الألفينات. ارتفعت رتبة كلٍ من الاستمتاع في مساعدة الآخرين (٨٩٪) والرفقة (٨٠٪) مقارنة بالاستبيانات السابقة من بداية الألفينات.
     
  4. الحوافز تتغير مع تقدم العامل في مهنته. كانت نتيجة واضحة لهذه الورقة اختلاف الحافز عند المساهم الحالي مقارنة بما حفزه سابقًا للانضمام. من أصل ٢٨١ مشارك، لم يسجل ١٥٥ (٥٥٪) سببَ الانضمام ذاته كسبب للاستمرار في المساهمة. توضح الصورة التالية التغييرات في الحوافز بين تلك التي حفزت إلى الانضمام وما يدفع المساهمين للاستمرار. مساحة الصندوق في اليسار تشير إلى عدد المشاركين مع الحافز للبدء في المساهمة في البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر، يقابله في اليمين الحافز للاستمرار في المساهمة. يتناسب عرض الوصلات بينهم طرديًا مع عدد المساهمين الذين انتقلت حوافزهم من سبب لآخر.


     
  5. حك الجلد بالظفر مدخلًا. تراجعت أهمية الاستخدام الشخصي (ما حك جلدك مثل ظفرك) مقارنة مع بدايات المصدر المفتوح. في العادة، تتحول حوافز المساهمين المنضمين إلى البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر من أجل الاستخدامات الشخصية إلى حوافز أخرى مثل التعلم والمتعة والأخذ والعطاء. يمكنك رؤية ذاك في الصورة أعلاه.
     
  6. الخبرة والعمر تفسر اختلاف الحوافز. أعطى المبرمجون الخبيرون درجات أعلى ومضاعفة لحوافز الإيثار (٥,٦ أضعاف)، والربح (٥,٢ أضعاف)، والأيدولوجيا (٤,٦ أضعاف) مقارنة بالمبتدئين. أما المبتدئون أجابوا أن المسيرة المهنية (١٠ أضعاف) والتعلم (٥,٥ أضعاف) والمتعة (٢,٥ أضعاف) هي محفزات أكبر لمساهمتهم. وعند التدقيق على كيف تحولت الحوافز الفردية لكل مساهم، يمكننا أن نرى الارتفاع الضخم في الإيثار (١٢٠٪) لدى المشاركين الخبراء وهبوط طفيف (١٦٪) عند المبتدئين. نسبة قليلة من المشاركين الصغار في العمر انضمت إلى البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر من أجل المسيرة المهنية، لكن أصبح حافز الكثير منهم هو الإيثار لاحقًا (زيادة  ١٠٠٪).
     
  7. تختلف الحوافز بين المبرمجين وغير المبرمجين. إذ أن نسبة اعتبار المبرمج للمتعة حافزًا هي أربعة أضعاف مقارنة بغير المبرمجين الذين يميلون إلى اعتبار الأيدولوجيا كحافزٍ بنسبة (٢,٥ ضعف أعلى).

 
 
تحفيز المساهمين وفقًا لرحلتهم في المساهمة

تساعدنا معرفة الفروقات بين الحوافز لدى المساهمين الجدد والقدامى في اكتشاف طرقٍ أفضل لمساندتهم.

على سبيل المثال، لغايات جذب المساهمين الجدد والحفاظ عليهم —وهم قد يشكلون القوى العاملة في المستقبل— على المشاريع أن تستثمر في تطوير المسيرة المهنية والمتعة والرفقة والتعليم بسبب أهمية كل ذلك في نظر المساهمين الشباب.
وبما أن أهمية الإيثار تزداد مع الوقت يمكن لمشاريع البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر الراغبة في الحفاظ على المساهمين الخبراء، وهم في الغالب الأعضاء المركزيون أو القائمون على سير العمل، يمكن لتلك المشاريع الاستثمار في استراتيجيات وأدوات تبيّن كيف يمكن للعمل على تلك المشاريع مساعدة المجتمع (الإيثار) وكيف يحسّن ذلك من العلاقات الاجتماعية.

يمكن الاستفادة أيضًا من ارتفاع عدد الإجابات التي تعتبر الإيثار حافزًا بأن تقدّم المنصات مزايا اجتماعية توفّق بين أولئك المحتاجين للمساعدة والراغبين في تقديمها، وإبراز مساعدة مساهم لآخر، وتوفير طرق لإظهار الامتنان (مثل إعطاء النجوم في المشاريع).

كانت هذه بعض من أفكارنا بعد مراجعة نتائج الدراسة. نتمنى أن تساعد مشاركتنا لاستنتاجاتنا مع الآخرين من أصحاب الخلفيات والخبرات المختلفة باستنباط المزيد من الأفكار وفقًا لهذه البيانات، وأن تساعد هذه الأفكار في تحفيز المساهمين الجدد والمخضرمين.

المؤلفون للورقة البحثية هم ماركو جيروسا (جامعة أريزونا الشمالية)، إيغور وايز (جامعة بارانا الفدرالية التكنولوجية)، بيانكا ترنكرايخ (جامعة أريزونا الشمالية)، جورج لينك (بَتيرجا)، غريغوريو روبلز (جامعة راي خوان كارلوس)، كريستوف ترويد (جامعة آديليد)، إيغور ستايماخر (جامعة بارانا الفدرالية التكنولوجية)، آنيتا سارما (جامعة ولاية أوريغون). البحث الدراسي بأكمله متوافر، إضافةً إلى البيانات غير المعرفة والأدوات المتعلقة بالدراسة.

تمت إعادة نشر هذا المقال من موقع opensource.com وفقاً لرخصة المشاع الإبداعي - Creative Commons، للإطلاع على المقال الأصلي