يعتبر تعريف المصدر المفتوح (OSD) وفقًا لمبادرة المصدر المفتوح (OSI) من الأركان التأسيسية لحركة المصدر المفتوح. في نظر المبادرة، على البرمجية أن تحقق عشرة معايير وفق التعريف حتى تُصنّف بأنها برمجية ”مفتوحة المصدر“، كلهم باستثناء معيارٍ واحد يتعلقون بشروط الترخيص.

تحدد مبادرة المصدرة المفتوح ما إن كانت رخصة البرمجية متوافقة مع التعريف بإجراء عملية مراجعة الرخصة. لتعريف المصدر المفتوح نفوذ على نطاق واسع ويُستشهَد به في المعاملات وكذلك في القوانين والتشريعات. هذا التعريف كُتب وتم تبنيه من قِبل المبادرة بعد فترة وجيزة من تأسيسها في عام ١٩٩٨. التعريف هو بشكل جوهري إعادة صياغة لإرشادات دبيان للبرمجيات الحرة (DFSG) مع تغييرات قليلة نسبيًا. عُدِّل مرة واحدة حتى الآن وكان ذلك في عام ٢٠٠٢ حين أضيف المعيار العاشر (”يجب أن تكون الرخصة محايدة تكنولوجيًا“)

يعكس الاستقرار في نص تعريف المصدر المفتوح شيئًا من المحافظة في التعامل مع النصوص القانونية المهمّة في مجتمع المصدر المفتوح. وتندر مراجعة رخص المصدر المفتوح التي تم تبنيها على نطاق واسع، والملقبة بـ”دساتير المجتمعات“، وتسبب تلك الندرة جزئيًا العقباتُ العملية والسياسية. يشبه تعريف المصدر المفتوح نصًّا دستوريًا حقيقيًا أكثر من التراخيص الممتثلة له، وبالطبع تقل نسبة مراجعة الدساتير عن نسبة مراجعة القوانين العادية الصادرة بمقتضاها. تثير مراجعة تعريف المصدر المفتوح الإشكالات —مثلًا يمكن المحاججة بأن مراجعة التعريف قد يزيد من تكاليف التفسير القضائي الضار في دعوى إنفاذ الترخيص— لكن لا يبدو أن هناك أي من التكاليف التي يمكن مقارنتها بأي مراجعة نادرة لتعريف المصدر المفتوح. يمكن استخدام المثل التالي لوصف حال تعريف المصدر المفتوح: ”لا تصلح ما ليس مكسورًا“.

لكن التطورات الأخيرة تدعم فكرة حلول الوقت لأن يٌحسّن تعريف المصدر المفتوح. هناك ازدياد في محاولات ”التلاعب“ بتعريف المصدر المفتوح في عملية الموافقة على الترخيص وفي أماكن أخرى. هناك مِن النقّاد من يشكك في سلطة مبادرة المصدر المفتوح في إقرار معنى المصدر المفتوح واستمرارية تعريفه، الناقدون للتعريف مثل رواد الأعمال وأصحاب رأس المال المجازفين يعززون رخص ”المصدر المتاح“ التي تحمي نماذج أعمالهم، في حين أن ناقدين آخرين مثل دعاة حركة ”المصدر الأخلاقي“ الناشئة والمتمردين على الأيقونات بشكل عام، يعتبرون مبادرة المصدر المفتوح وتعريفها نواتج حقبة ماضية ترتبط بمجموعة قيمٍ متروكة. ومع أن الحاجة لمراجعة تعريف المصدر المفتوح ليست مستعجلة، يمكن أن تستفيد مبادرة المصدر المفتوح من مراجعة تكتيكية تهدف إلى الحفاظ على تعريف المصدر المفتوح وتحسين مكانته ليصبح مشروعًا، وذا سلطة، ومتناسقًا مع وجهات النظر المعاصرة.

 

كيف يمكن أن تبدو عملية إعادة التعريف

هناك عدة اتجاهات ممكنة لإعادة التعريف الافتراضية لمعنى المصدر المفتوح. يمكن أن تُبنى حجة تدعو لإعادة صياغة ضخمة في أسلوب التعريف. ومع أن إرشادات دبيان للبرمجيات الحرة قد أثبتت نجاحها كوثيقة طبيعية في إرشاد سياسة حزم دبيان، أزعم أن هذه الإرشادات كأسسٍ للتعريف لا تناسب سياسة مبادرة المصدر المفتوح لأنها تختلف في محط تركيزها، فهي تركز على مراجعة الرخص بشكل عام لا على المشاريع بعينها. يشمل تعريف المصدر المفتوح بعض الإشارات إلى الجدل حول ترخبص توزيعة لينكس عام ١٩٩٠، ومن الواضح أن بعض الأجزاء كتبت تحسبًا لمسألة التوزيعة متعددة الحزم. (أنظر على سبيل المثال إلى النقاط الأولى والرابعة والتاسعة في تعريف المصدر المفتوح). في الماضي كنت أتساءل ما إن كان من الأفضل لمبادرة المصدر المفتوح أن تشطب التعريف الحالي كليًا وتختار عوضًا عنه التعريف الأنيق للبرمجية الحرة (FSD) وفق مؤسسة البرمجيات الحرة (ويشار إليه بالعادة بـ”الحريات الأربع“). لكن لا يبدو أن مبادرة المصدر المفتوح ستعمل على تغييرٍ جذريٍ بهذا الشكل، أو حتى على تغييرات طفيفة نسبيًا، أو مراجعات نصيّة جزئية، لأسباب تعود بشكل أساسي للأسلوب.

دعنا نتخيل أن مبادرة المصدر المفتوح ستسعى إلى إجراء تعديلات كبيرة لسياسة تعريف المصدر المفتوح— كأن تُدخل معيارًا للترخيص مُنِعَ مسبقًا أو ترفض معيارًا كان مسموحًا في السابق. خُذ هذا المثال المناسب وغير الواقعي: ستقبل مبادرة المصدر المفتوح الرخص التي تسّوق لها حركة المصدر الأخلاقي أو رخص المصدر المتاح الحديثة والمتعددة والتي تدعو لها بعض ”شركات المصدر المفتوح“ عن طريق تعديل النقطتين الخامسة والسادسة من تعريف المصدر المفتوح واللتين تمنعان التمييز، وذلك من خلال قبول التصنيفات في تلك الرخص. لا أعتقد أن مبادرة المصدر المفتوح تنظر حقًا لتعريف المصدر المفتوح كأنه ناقص بشكل كبير من ناحية السياسات بصورة تدعو لمراجعة التعريف، لذا هذا النوع من إصلاح التعريف يبدو بعيدًا عن الواقع.

يتضمن نوعٌ ثالثٌ من مراجعة ممكنة لتعريف المصدر المفتوح جهودًا توضح وتبرز كيف تفهم المبادرة حاليًا متطلبات رخص المصدر المفتوح وحدودها. كما ذكرتُ في مقالة سابقة في عام ٢٠١٩، وضحت مبادرة المصدر المفتوح أن الهدف من عملية الموافقة على الرخص لا يقتصر على التأكد من أن الرخص المقبولة تتناسق مع تعريف المصدر المفتوح بل يتضمن بالتأكيد حرية البرمجيات أيضًا. وقد كان الهدف كذلك لتجاوز محاولات ”التلاعب“ في تعريف المصدر المفتوح التي حصلت في عملية مراجعة الرخص عبر استغلال ثغرات وغموض في النص. يوفر التنبّه لمسألة حرية البرمجيات طريقة لتصحيح هذه المشكلة دون أن تبتعد مبادرة المصدر المفتوح عن التأويل العملي للتعريف. مراجعة تعريف المصدر المفتوح بطريقة تملأ الثغرات وتزيل الغموض في نص التعريف هي وسيلة بديلة —ومُفضّلة— لمعالجة هذه المشكلة. يبدو أن المراجعة التي قد تتقبلها مبادرة المصدر المفتوح هي تلك التي تُعنى بشكلٍ أساسي بتوضيح تعريف المصدر المفتوح.

 

ما يمكن أخذه بعين الاعتبار

ما يلي أمورٌ معينة يمكن لمبادرة المصدر المفتوح أخذها بعين الاعتبار:

 

1.      براءة الاختراع

نظرًا لكتابة تعريف المصدر المفتوح في التسعينات فليس من الغريب أنه لا يذكر براءات الاختراع. تمحورت بعض الجدالات المتعلقة بتفسير تعريف المصدر المفتوح حول العلاقة بين ترخيص المصدر المفتوح وترخيص براءة الاختراع. مثلاً أشعل تقديم رخصة النطاق العام CC0 للمشاع الإبداعي في ٢٠١٢ جدلًا حول إمكانية أن تستثني رخصة المصدر المفتوح بشكل واضح منح أي رخصة لبراءة اختراع.

مثالٌ أحدث وخارج سياق الموافقة على الرخصة هو أن بعض الشركات التي تعتمد على ترخيص معقول وغير تمييزي لبراءات الاختراع المعيارية الأساسية، تصرف بسخاء في سعيها  لأن تنشر وجهة النظر التي تدعو لأن تكون تراخيص المصدر المفتوح تابعة ”لحقوق التأليف والنشر فقط“. عارضت مبادرة المصدر المفتوح بشدة وجهة النظر هذه. في نقاشات مراجعة الترخيص، يشار إلى النقطة السابعة من تعريف المصدر المفتوح (”تنطبق الحقوق المرتبطة بالبرمجية على كل من توزّع لهم البرمجية دون الحاجة لتنفيذ رخصة إضافية من قبل تلك الجهات“) كأنها أساس لوجهة النظر القائلة بأن تراخيص ”حقوق التأليف والنشر“ لا يمكن اعتبارها للمصدر المفتوح، لكن يغلب الظن بأن النقطة السابعة لم تُكتَب مع براءات الاختراع في البال. سيشكل توفير إجابة مُرضية لمسألة براءات الاختراع عبر مراجعة تعريف المصدر المفتوح تحديًا، لكنه تحدٍ سينجب وضوحًا عليَّ المنفعة.

 

2.      الحقوق المتروكة وبرمجيات بلا صلة

أثارت بعض الطلبات على التراخيص في الآونة الأخيرة إشكالية متعلقة بالتوسع في شروط ترخيص الحقوق المتروكة دون التعارض مع تعريف المصدر المفتوح. فمثلاً، تتطلب الرخصة التبادلية العمومية لـLicense Zero (L0-R) من البرمجيات التي تبنى على أدوات مرخصة بهذه الرخصة أو تنفذ عن طريقها، حتى لو كانت بلا صلة بها، بأن تُرخّص كبرمجيات مفتوحة المصدر. وبصورة مشابهة تتطلب رخصة جانب الخادم العمومية (SSPL) نشر الشيفرة المصدرية لمجموع التقنيات التي تستعمل لتشغيل «مونغو دي بي» كخدمة. (تعرضت رخصتا L0-R و SSPL لنقد لاذع عند مراجعة الترخيص لكنهما سُحبتا قبل أن تتخذ مبادرة المصدر المفتوح الحكم النهائي بحقهما.)

يمكن القول بأن هذا النوع من التراخيص يخرق الأجزاء التي تضمن عدم التمييز في تعريف المصدر المفتوح، لكن ذلك ليس مقنعًا لأننا عندما نفكر بأي رخصة مهمة للبرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر فهي تحتوي على تصنيفات يمكن وصفها بالمميزة ضد أشخاص أو مجموعات أو حقول عمل. تعمل النقطة التاسعة من تعريف المصدر المفتوح (”على الرخصة ألا تتعارض مع برمجية أخرى“) على حل الإشكالية التي نواجهها هنا، لكنها كتبت بشكل خاص لسياق التوزيع. يمكن لمبادرة المصدر المفتوح أن تعمم اللغة المستخدمة في النقطة التاسعة، ومن الممكن أن تتبنى البند المتعلق بدمج عناصر من البرنامج في برامج حرة أخرى والمذكور في رخصة جنو العمومية GPL، وبهذا تشمل كل التراخيص المستقبلية الحقوق المتروكة التي تمتد لبرمجيات بلا صلة بالبرمجية المُرخّصة.

 

3.      الحرية صفر

مثال جيد على فجوة غير مقصودة في تعريف المصدر المفتوح هو غياب مرادف لـ”الحرية صفر“ المذكورة في تعريف البرمجيات الحرة: ”الحرية بأن تستخدم أي برمجية تشاء ومن أجل أي غاية.“ والتعليق المصاحب لتعريف البرمجيات الحرة يقترح بأن الحرية صفر تجسّد نوعًا من حقوق الخصوصية: يتمتع المستخدم بالحرية ”دون أن يُجبَر على إعلام المطور أو أي جهة خاصة بما يخص البرمجية“. أعتقد أن أي أحد يؤمن بسلطة تعريف المصدر المفتوح سيفترض أن هذا التعريف يحمل رديفًا للحرية صفر، ضمنيًا أو كخاصية تنتج ثانويًا أو بأي صورة غير ذلك. ليس من الواضح لما يُفتقَد هذا في نص إرشادات دبيان للبرمجيات الحرة، ربما ظنّ مجتمع دبيان بأن هذا البند واضح وضوح الشمس ولا يستحق الذِكر.

على أقل تقدير هناك رخصة واحدة قدمت لمبادرة المصدر المفتوح في السنوات الأخيرة وقد يقال أنها تنتهك الحرية صفر وهي رخصة L0-R، استشهد صاحب L0-R بسابقة لرخصة مغمورة قبلتها مبادرة المصدر المفتوح في فجر تاريخها (واعتبرت غير حرة من قبل مؤسسة البرمجيات الحرة ودبيان) وتملك تلك الرخصة صفات مشابهة. نوّه مكوي سميث في ٢٠١٧ إلى أن النظرة التي تفترض أن مفهوم الحرية صفر غائب عن تعريف المصدر المفتوح تؤدي إلى استنتاجات غريبة. يبدو أنه من المرغوب، وقد يكون من الواضح نوعًا ما ربما أن تستخدم مبادرة المصدر المفتوح نص الحرية صفر المبسط من تعريف البرمجيات الحرة بإضافتها معيارًا صريحًا وجديدًا في تعريف المصدر المفتوح.

 

المخاطر والمنافع

أي سعي من مبادرة المصدر المفتوح نحو مراجعات تعريف المصدر المفتوح ستكون في أغلب الظن عملية ذات صيت واسع، وهذا يضعها أمام أعين المجتمع ويفتح مجال مشاركتهم. أوجه نظر شبكة المنظمات المعنية بالمصدر المفتوح والمتعلقة بمبادرة المصدر المفتوح، والتي صرّحت بالتزامها بتعريف المصدر المفتوح، قد تصبح مهمة على وجه الخصوص في هذه العملية.

ستتعرض عملية المراجعة لظهورٍ بارز وتدقيق مفصّل بسبب شهرة مبادرة المصدر المفتوح وأهمية تعريف المصدر المفتوح. في نشاط من هذا النوع، من المتوقع أن يستغل بعض الأفراد والجهات النفوذ للتأثير في مسير المراجعة أو بقصد لوي التعريف، لكن الحذر والتيقظ لحوكمة العملية وسلامة سيرها سيحمي ضد تلك الجهود. أنا أؤمن بأن كفة المنافع التي سيكتسبها المصدر المفتوح ومبادرة المصدر المفتوح أرجح من كفة المخاطر.

 

تمت إعادة نشر هذا المقال من موقع https://opensource.com وفقاً لرخصة المشاع الإبداعي - Creative Commons، للإطلاع على المقال الأصلي