ليس سرًا أن الكثير من الشركات والحكومات تحاول جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات الشخصية. وقد يكون السبب في ذلك أنها تعتقد بأن ذلك سيحسن نتائج تحليلاتها أو ببساطة ”تحسبًا لأي طارئ فقط“ في حال احتاجت لأمر ما في المستقبل. ووفقًا لورقة جديدة من منظمة الحقوق الرقمية «أكسس ناو - Access Now»، فإن ممارسة جمع بيانات أكثر مما يلزم شائعة على نطاق واسع. وأظهرت دراسة لشركات في أوروبا أن ٧٢% من تلك الشركات التي جمعت البيانات لم تستخدمها قط. فيما أظهر تقرير آخر أن ٥٥% من البيانات المجموعة عبارة عن ”بيانات مظلمة“ لا يتم استخدامها لأي غرض من الأغراض بعد جمعها. وكما يشير عنوان تقرير منظمة «أكسس ناو» ”الحد من البيانات: المفتاح لحماية الخصوصية وتقليل الأذى،“ تعتقد المنظمة أن تقليل مقدار البيانات الشخصية المجمعة ببساطة قد يكون له مزايا كثيرة تنعكس على الخصوصية. وكتبت المنظمة قائلة:

الخصوصية حق من حقوق الإنسان، والحد من البيانات عبارة عن قضية من قضايا حقوق الإنسان. الأثر الأهم للحد القوي من البيانات هو تقليل الأذى: البيانات التي لا يتم جمعها لا يمكنها أن تؤذي الناس. ومع جمع المؤسسات مزيداً من البيانات، تنمو الأضرار المحتملة والحقيقية للناس. تقليل مقدار  البيانات المجمعة مهم لسببين على الأقل: لا يريد الناس أن تجمع المؤسسات كل صغيرة وكبيرة من المعلومات عنهم، ومن الممكن إساءة استخدام المعلومات الشخصية، وغالبًا ما تتم تلك الإساءة، بطريقة تلحق أضرارًا جسيمة.

تظهر الإحصائيات المقتبسة من الورقة أن الناس حول العالم قلقون من كمية البيانات التي تجمعها المؤسسات التجارية والحكومات عنهم. وأظهرت دراسة أجريت على أكثر من ٢٥,٠٠٠ شخص في ٤٠ دولة أن ٧٠% منهم كانوا متخوفين من مشاركة المعلومات الخاصة، وأبدى ثلثا الأشخاص عدم سعادتهم بممارسات الخصوصية الحالية لجامعي البيانات. وتشير «أكسس ناو» إلى أن مجموعات محددة معرضة للخطر بشكل خاص من الجمع المفرط للبيانات، وهو ما يمكن أن يقلل من فرص ذوي البشرة السمراء والهسبان والسكان الأصليين وغيرهم من الجاليات ذات البشرة الملونة أو الناس المستهدفين بصورة نشطة في الحملات التمييزية والخداع.

هناك خطر آخر جلي لجمع البيانات المفرط وهو استخدام تلك المعلومات لغايات الرقابة الحكومية. ويمكن لذلك أن يؤدي إلى إساءة استخدام السلطة الحكومية وقد يكون له آثار الصقيع [M1] على حرية التعبير. وللحد من البيانات مزايا واضحة من خلال وضع حدود للأضرار التي قد تكون بفعل الاستخدام الحكومي للبيانات الشخصية. وتقتبس الورقة مثال تطبيق سيغنال، الذي يقدم تشفيراً من الطرف للطرف لكافة اتصالاته، ويبقي بيانات المستخدمين المحفوظة لديه بالحد الأدنى المطلوب. ونتيجة لذلك، عندما طلبت الحكومة الأمريكية مؤخرًا أسماء المستخدمين وعناوينهم، قالت لها سيغنال إنها لا تستطيع الامتثال لذلك لأنها لا تحتفظ بتلك البيانات لديها. وعلى نحو مماثل، يخلق جمع البيانات الشخصية غير الضرورية والاحتفاظ بها كنزًا متناميًا من البيانات القيمة. وتصبح تلك المخازن حتمًا أهدافًا للأطراف الخارجية، سواء أكانوا منفذي القانون أم حكومات أجنبية أم مجرمين. وعلاوة على ذلك، كلما كبرت مخازن البيانات الشخصية، كلما كبرت الفرص لنشوء مجموعات مختلفة متشابكة من البيانات عندما يتم تهريبها، مما يؤدي إلى إنشاء ملفات أشخاص أكثر تفصيلًا وبالتالي أكثر ضررًا أيضًا.

تعترف الورقة الجديدة بأن هناك ظروف قد لا يكون الحد من البيانات فيها مباشرًا. على سبيل المثال، قد يكون من الضروري لمنظمة ما أن تجمع البيانات عن الطبقات المحمية حيث تتمثل الأغراض من القيام بذلك في مواجهة ممارساتها التمييزية والتقليل من الأضرار أو القضاء عليها أو تحقيق المنفعة لسكان معينين ممثلين تمثيلاً ناقصًا. لكن «أكسس ناو» تشدد على أن البيانات عن الطبقات المحمية حالما يتم جمعها وتخزينها ينبغي عدم استخدامها في أي شيء آخر، وتنبغي حمايتها حماية صارمة من النفاذ غير المسموح إليها، والإفصاح غير المسموح عنها، وغيرها من مخالفات حماية البيانات الأخرى. ولا عجب أن الورقة متخوفة مما تسميه ”دعاية سلوكية“ – وهذا يعني استخدام الاستهداف الدقيق – وهو استغلال قواعد البيانات الكبرى التي تحتوي على بيانات شخصية وملفات مفصلة. ومن الناحية المثالية، تقول الورقة إن الدعاية التطفلية من شأنها أن تكون محظورة كليًا.

بينما يتوفر الدليل على الضرر بشكل وفير، لا يوجد سوى القليل لإظهار فائدة الدعاية السلوكية للشركات التي تجريها. وقد لا تكون بنفس التأثير المزعوم. ووجدت دراسة حديثة أن الناشرين يحتفظون فقط بما نسبته ٤% من الإيراد المتزايد من الدعاية السلوكية. وفي عام ٢٠١٩، شهدت نيويورك تايمز ارتفاعًا في إيراداتها عندما قطعت تبادلات الدعاية وتحولت إلى الدعاية السياقية. وأظهرت البيانات الآتية من الإذاعة الهولندية «NPO» أن إيراداتها حققت زيادة في كل شهر بعد أن تخلت عن الدعاية السلوكية لصالح الإعلانات السياقية في مواقعها خلال النصف الأول من عام ٢٠٢٠.

تقترح «أكسس ناو» على أقل تقدير أن كل شركة تجمع البيانات لأغراض دعائية تنبغي أن تكون مطالبة بحذف تلك المعلومات وكذلك أية معلومات استنتجتها من تلك البيانات، وذلك بعد مرور ٣٠ يومًا، وليس فقط إخفاء هوية أصحاب تلك البيانات.

أخيرًا، هناك قسم مثير للاهتمام حيال استخدام الحد من البيانات ”المدروس“ عند بناء أنظمة تعلم آلي. والأخيرة مدربة عادة على مجموعات بيانات كبيرة غالبًا ما تشمل المعلومات الشخصية. لكن الورقة تشير إلى وجود افتراض بأن كثرة البيانات أفضل دائمًا، لكن ذلك ليس صحيحاً بالضرورة. وعلى العكس، يشير ذلك إلى أن من يبنون أنظمة ذكاء اصطناعي بناء على التعلم الآلي ينبغي أن يكون هدهم تدريبها على البيانات الجيدة؛ فهناك فوائد حقيقية من القيام بذلك، بما أن استخدام البيانات غير المناسبة يمكن أن يؤثر سلبيًا على النظام بشتى الطرق، خصوصًا في إنتاج خوارزميات منحازة والخروج بنتائج محرفة. ومن شأن تبني الحد من البيانات كمبدأ أن يساعد المهندسين على ضمان أن تكون مجموعات التدريب عالية الجودة ومناسبة.

يبدو الحد من البيانات وكأنه فكرة جلية، وحتى سخيفة. ولكن كما توضح ورقة «أكسس ناو»، فإن تطبيق هذا الأسلوب البسيط يمكن أن تكون له منافع كبيرة ليس من حيث تعزيز الخصوصية فحسب، بل أيضًا في تحسين جودة الخدمات التي ترتكز على جمع البيانات الشخصية وتحليلها.

تمت إعادة نشر هذا المقال من موقع www.privateinternetaccess.com وفقًا لرخصة المشاع الإبداعي - Creative Commons، للإطلاع على المقال الأصلي.


 [M1]يستخدم هذا المصطلح لوصف قمع الحقوق والممارسات الشرعية
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%AB%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%82%D9%8A%D8%B9