للحفاظ على نمو مجتمع المصدر المفتوح، نحتاج إلى الترحيب بالمطورين الجدد. ولكن للأسف لسنا جماعة مرحبة دائمًا.

في كل عام في مدينة نيويورك يأتي بضع آلاف من الشبان اليافعين إلى المدينة مرتدين ملابس سانتا كلوز ويتجولون سعيًا للشرب من حانة إلى حانة. وأثناء واحدة من هذه التجمّعات في إحدى السنوات، كنت أمشي على الرصيف مهتمًا بشؤوني فقط، فرأيت مشهدًا استثنائيًا. لقد كان هناك رجلٌ يرتدي قبعة حمراء وسترة حمراء وكان يتحدث إلى رجل مشرد كان جالسًا على كرسي متحرك. وسأل المشرد سانتا كلوز ”هل لك أن تعطيني بعض الفكة؟“ فوضع سانتا يده في جيبه وأخرج منها ورقة نقد بخمسة دولارات. تردد قليلًا ثم أعطاها إلى الرجل المشرد، فأخذها ذلك المشرد ووضعها في جيبه.

وفي لحظات بدا وكأن هناك خطب ما، حيث أخذ سانتا يصرخ في وجه الرجل قائلًا: ”أعطيتك ٥ دولارات. أردت أن أعطيك دولارًا واحدًا، ولكن الخمسة كانت أصغر فئة لدي، لذلك عليك أن تكون ممتنًا. إنه يوم سعدك يا رجل. ينبغي عليك أن تقول شكرًا على الأقل!“

كان ذلك مشهدًا مروعًا لا ترغب برؤيته. أولًا، كان فارق النفوذ مريعًا؛ كان سانتا رجلًا أبيض بكامل قواه الجسدية ويملك المال ولديه منزلٌ، بينما كان الرجل الآخر من ذوي البشرة السمراء ومشردًا بلا مأوى ومُقعدًا يستخدم كرسيًا متحركًا. لقد كان ذلك مروعًا أيضًا لأن سانتا كلوز كان مرتديًا الزي الذي يرمز إلى الجود والكرم! وكان يتصرف مثل سانتا حتى حدث موقف غير سليم وبشكل فوري أصبح قاسي القلب.

هذه ليست قصة عن شخص منتشٍ ثمل فحسب، بل قصة عن مجتمعات التكنولوجيا. فنحاول أيضًا أن نكون كرماء عندما نجيب على أسئلة المبرمجين الجدد، ولكن يتحول كرمنا كل يوم إلى غضب. فما السبب؟

 

قسوتي

أتذكر سلوكي السيء في الماضي، فقد كنت ذات مرة في شركتي، «Slack»، وأتى زميل جديد وطرح علي سؤالًا.

الزميل الجديد: مرحبًا، هل هناك من يعلم كيف أقوم بكذا وكذا في «MongoDB»؟

جيسي: سيتم تنفيذ ذلك في الإصدار القادم.

الزميل الجديد: ما هو رقم تذكرة تلك الخاصية؟

جيسي: أحفظ جميع أرقام التذاكر. إنه #12345.

الزميل الجديد: هل أنت متأكد؟ لا يمكنني إيجاد 12345.

لم ينتبه إلى سخريتي، وقد تسبب له خطأه بالإحراج أمام زملائه. ضحكت سرًا ومن ثم انتابني شعور سيء. وبصفتي واحدًا من أبرز كبار المبرمجين في «MongoDB»، ما كان ينبغي لي أن أعطي عن نفسي مثالًا كهذا. ومع ذلك، يعتبر هذا السلوك شائعًا في أوساط المبرمجين في كل مكان: نتصرف بسخرية مع المستجدين، ونقوم بإحراجهم.

 

ما الأهمية؟

ربما لا تأتي إلى هنا لتكوين الصداقات، بل أتيت إلى هنا من أجل كتابة «الكود». وفي حال نجحت في ذلك، فهل يهم إن كنا لُطفاء مع بعضنا البعض أم لم نكن كذلك؟

قبل بضعة شهور، وعلى مدونة «Stack Overflow»، أظهر ديفيد روبنسون أن لغة بايثون تحقق نموًا دراماتيكيًا، وقد أصبحت الآن اللغة الأولى التي يرى عنها الناس أسئلة على «Stack Overflow». وحتى في أكثر التنبؤات تشاؤمًا، ستتجاوز في نموها اللغات الأخرى بفارق كبير هذا العام.

 

 

إذا كنت خبيرًا في بايثون، فإن الخط الصاعد إلى أعلى وإلى اليسار يمثل أنباء سارة لك. إنه لا يمثل منافسة، وإنما «إثباتًا». ومع تعلم مزيد من المبرمجين لغة بايثون، تصبح خبرتنا أكثر قيمة، وسنجد أن ذلك سينعكس على رواتبنا وفرص عملنا وأمننا الوظيفي.

لكن هناك خطر محدق. سيصبح قريبًا جدًا مبرمجون جدد لبايثون أكثر من أي وقت مضى. وللحفاظ على هذا النمو، يجب علينا أن نرحب بهم، وفي الحقيقة نحن لسنا ناس مرحّبين دائمًا.

 

مشكلة «Stack Overflow»

أجريت بحثًا في «Stack Overflow» عن الأجوبة الفظة على أسئلة المبتدئين، ولم يكن من الصعب إيجادها.

أنت ***** في اختبارك النهائي في مساق مقدمة إلى البرمجة!




الرسالة واضحة: إن كنت تطرح سؤالًا فهذا غبي، انتهى أمرك. هيا اخرج.

وجدت على الفور مثالًا آخرًا على السلوك السيىء.

 

السؤال: بايثون: قراءة رموز اليونيكود الخاصة بالإيموجي
الإجابة: هذا مخصص فقط للأشخاص الذين يعرفون البرمجة... عُد إلى المدرسة!


 

من منا لم يسبق له وأن وقع في لبسٍ بسبب يونيكود في بايثون؟ مع ذلك فإن الرسالة واضحة: أنت لا تنتمي إلى هذا المكان. هيا اخرج.

هل تتذكر كيف كان شعورك عندما احتجت إلى المساعدة وقام أحدهم بإهانتك؟ لقد كان شعورًا مروعًا. كما أن هذا السلوك يقسم المجتمع، فالكثير من أفضل خبرائنا يرحلون كل يوم لأنهم يروننا نعامل بعضنا البعض بهذه الطريقة. ربما ما يزالون يبرمجون بايثون، لكنهم لم يعودوا يشاركون في الحوارات عبر الإنترنت. وتنفر هذه الفظاظة المستجدين أيضًا، وبشكل خاص أفراد المجموعات ذات التمثيل المنخفض في التكنولوجيا الذين قد لا يتمتعون بالثقة من انتمائهم. هناك أشخاص كان من الممكن أن يصبحوا من عظماء الجيل القادم من مبرمجي بايثون، لكنهم يرحلون لو طرحوا سؤالً وتصرف معهم البعض بشكل سيىء.

لا يصب هذا في مصلحتنا، فهو يؤذي مجتمعنا، ويحط من قيمة مهاراتنا لأننا ننفر الناس. إذًا لماذا نتصرف ضد مصلحتنا الخاصة؟

 

لماذا يتحول الكرم إلى غضب

هناك القليل من السيناريوهات التي تثيرني حقًا. من هذه السيناريوهات مثلًا عندما أتصرف بسخاء ولكن لا أحصل على العرفان الذي أتوقعه. (لست الشخص الوحيد الذي ينتابه هذا الاستياء: لعل هذا سبب الغضب الذي شعر بها سانتا الثمل عندما قدم ٥ دولارات إلى المشرد ولم يتلق أي شكر على ذلك).

هناك سيناريو آخر مثلًا عندما تتطلب الإجابة جهدًا أكبر من المتوقع. مثال على ذلك، عندما طرح زميلي سؤالًا عن «Slack» وتبعه بسؤال آخر ”ما هو رقم التذكرة؟“ فقد تساءلت كم سيستغرق الأمر لمساعدته، وفقدت أعصابي عندما طلب المزيد من المساعدة.

يمكن تلخيص هذان السيناريوهان في مشكلة واحدة: لدي توقعات بخصوص ما ستسير عليه الأمور، وأشعر بالغضب عند مخالفة تلك التوقعات.

أدرس البوذية منذ سنوات، لذلك فإن فهمي لهذا الموضوع مستند إلى البوذية. وأحب أن أفكر بأن بوذا ناقش مشكلة التوقعات في أول حوار تكنولوجي له عندما اختبر حين كان في منتصف الثلاثينيات من العمر اكتشافًا بعد سنوات من التأمل وكون ثقة صغيرة لمناقشة نتائجه. ولم يستأجر مكانًا، بل جلس تحت إحدى الأشجار، وكان الحضور عددًا قليلًا من المتأملين الذين قابلهم بوذا أثناء تجواله في الهند الشمالية. وشرح بوذا للحضور أنه اكتشف أربعة حقائق:

  • أولًا، أن تكون على قيد الحياة يعني أن تكون غير راضٍ – أن ترغب بأن تكون الأمور أفضل مما هي عليه الآن.
  • ثانيًا، عدم الرضى هذا سبب الرغبات؛ وعلى وجه التحديد، ناتج عن توقعنا أننا إذا امتلكنا ما نريده وتخلصنا مما لا نريده، فإن ذلك سيمنحنا السعادة لوقت طويل. وهذا التوقع ليس واقعيًا: في حال حصلت على ترفيع في وظيفتي أو في حال حذفت ١٠رسائل إلكترونية، فإن هذا الأمر يحقق الرضى مؤقتًا، ولكنه لا يجعلني سعيدًا على المدى البعيد. فنحن مستاؤون لأن كل شيء مادي يخيب آمالنا بسرعة.
  • الحقيقة الثالثة أننا نستطيع أن نتحرر من هذا الاستياء عبر تقبل حياتنا كما هي.
  • الحقيقة الرابعة هي أن طريقة تحويل أنفسنا متمثلة في فهم عقولنا وعيش حياة كريمةٍ وأخلاقيةٍ.

 

ما أزال أغضب من الناس على الإنترنت، وقد حدث هذا لي مؤخرًا، عندما كتب أحدهم تعليقًا على مقطع فيديو قمت بنشره عن الروتينات المتعاونة في بايثون. وكان إنشاء هذا الفيديو قد استغرق مني شهورًا من البحث والتحضير، وبعد ذلك جاء مستجد ليقول في تعليقه ”أرغب بإتقان بايثون، ما الذي ينبغي علي فعله“.

 

أثار هذا حنقي، وكان أول دافع لدي هو التصرف بسخرية بأن أقول: ”يمكنك في البداية أن تكتب كلمة بايثون بشكل صحيح وأن تنهي السؤال بعلامة استفهام“. ولحسن الحظ أنّي تداركت غضبي قبل أن أتصرف على أساسه، وقمت بإغلاق التبويب بدلًا من ذلك. وأحيانًا لا يفصلنا عن التحرر سوى ضغطة زر نغلق بها النافذة المفتوحة على الحاسوب ونتجنب التفاعل.

 

ما العمل حيال ذلك؟

لو انضممت إلى مجتمعٍ وأنت تنوي بأن تكون مفيدًا ولكنك تجد نفسك من حين لآخر تشتاط غضبًا، لدي طريقة لمنع هذا. بالنسبة لي، إنها الخطوة التي أسأل نفسي فيها، "هل أنا غاضب؟" تشكل معرفة الإجابة على ذلك الجزء الأكبر من المعركة. ولكننا عند التفاعل عبر الإنترنت، فمن الممكن أن نفقد معرفتنا وسيطرتنا على مشاعرنا. ومن الراسخ جدًا أن أحد أسباب فظاظتنا على الإنترنت هو أن تعاطفنا الطبيعي ليس فعالًا دون أن نرى الشخص الآخر أو نسمع صوته. المشكلة الأخرى المتعلقة بالإنترنت أننا عندما نستخدم أجهزة الحاسوب نفقد إدراكنا لأجسادنا. فمن الممكن أن أكون غاضبًا وأكتب رسالة ساخرة دون أدنى معرفة لي بأنني غاضب. فلا أشعر بقلبي يدق ولا برقبتي تتشنج. لذلك فإن الخطوة الأكثر أهمية هي أن أسأل نفسي، ”كيف أشعر؟“

لو كان غضبي أشد من قدرتي على الإجابة، فعادة ما يكون بوسعي الابتعاد. وكما قال الأرنب «ثامبر» في فيلم «بامبي»، ”إن لم تكن قادرًا على قول كلام حسن، فلا تقل شيئًا على الإطلاق“.

 

المكافأة

تمثل مساعدة شخص مستجد مكافأةً بحد ذاتها، سواء أتلقيت شكرًا على ذلك أم لا. ولكن لا ضير في أن تكافئ نفسك بمشروب لذيذ أو قطعة حلوى شهية، أو أن تكتفي بتنفس الصعداء بعد الصنيع الجيد الذي قمت به.

ولكن إلى جانب مكافآتنا الشخصية، فإن المردود الذي سيناله مجتمع بايثون هائل. إننا نحافظ على بقاء الخط في حالة صعود وإلى اليمين. وتستمر بايثون بالنمو، وهو ما يجعل مهاراتنا الخاصة أكثر قيمة. ونرحب بالأعضاء الجدد والناس الذي قد لا يكونوا متأكدين من انتمائهم إلينا، وذلك عبر طمأنتهم بعدم وجود ما يسمى سؤالًا غبيًا. إننا نستخدم بايثون لخلق مجتمع شمولي وتعددي حول كتابة الشيفرة. وبالإضافة إلى هذا، إنه لشعور جيد فحسب أن تكون جزءًا من مجتمع حيث يعامل الناس بعضهم البعض باحترام. إنه نوع المجتمع الذي أريد أن أكون فردًا فيه.

 

العد للعشرة قبل الرد

لدي فكرة آمل أن تتذكرها من هذه المقال: للتحكم بسلوكنا على الإنترنت، يتوجب علينا أن نتوقف أحيانًا ونلاحظ مشاعرنا. أدعوك أن تكرر التعهد التالي بصوت مرتفع إن كنت ترغب بذلك:

أتعهد

بأن أعد للعشرة

قبل أن أجيب على أي سؤال على الإنترنت.

 

تمت إعادة نشر هذا المقال بتصرف من موقع https://opensource.com وفقًا لرخصة المشاع الإبداعي - Creative Commons، للاطلاع على المقال الأصلي