أصبح العمل من المنزل يمثل الأمر الطبيعي للملايين، وربما للمليارات من الناس حول العالم. ومن الطبيعي أن يرافق هذا التحول الهائل في كيفية قضاء الناس معظم ساعات يقظتهم تحولًا كبيرًا في مشاكل الخصوصية. وتمت مناقشة بعض هذه المشاكل في هذه المدونة قبل عام عندما أصبحت أداة اجتماعات الفيديو الجماعية Zoom خاصية محورية للعمل من المنزل. ولم يلبّي الجانب الأمني لهذا التطبيق في ذلك الوقت كل الاحتياجات، رغم أن الأمور تبدو أفضل الآن، خصوصًا لأن الناس والشركات أوضحوا أن الخصوصية ليست اختيارية بل هي ضرورة.

يُعتبَر المزاولون في المجال الطبي من بين الفئات التي يمثل لها الأمن والخصوصية مسألة جوهرية، إذ أن سرية المرضى مسألة حاسمة ويعني ذلك أن تحديات الخصوصية الجديدة للعمل عن بعد يتوجب التعامل معها. ولهذا السبب، طلبت جمعية التحليل النفسي الطبية من روس أندرسون أستاذ الهندسة الأمنية في جامعة كامبريدج، وهو خبير غني عن التعريف في قضايا الخصوصية، أن يكتب تقريرًا يراجع فيه سياسات الجمعية بخصوص العمل عن بعد من قبل المحللين النفسيين. وبالنظر إلى متطلبات المحللين النفسيين الصارمة بخصوص السرية، تقدم تعليقات التقرير وتوصياته نصيحة مفيدة لكل شخص يعمل في المنزل ويرغب بحماية خصوصيته بأكبر قدر ممكن. وعلى سبيل المثال، يمثل ما يلي قضية مركزية:

”ستنطوي معظم الهجمات على استهدافٍ إما لخصوصية المريض أو المعالج بدلًا من استهداف الاتصالات بينهما، ولن تكون معظم عمليات الاستهداف تقنية. وقالت مختصة نفس أطفال إن أكبر تخوّفٍ لديها بشأن الخصوصية هو في الغالب ما إذا كان أحد الوالدين أو زوج الأم أو زوجة الأب أو أي بالغٍ آخر على مرمى السمع أو حتى في الغرفة خارج نطاق رؤية الكاميرا. وأشار جرّاح إلى أنه سبق وأن أعطى موعدين على الهاتف مرتين مع مريضين أجابا اتصالًا متوقعًا في أماكن غير متوقعة: أحدهما في السوبرماركت والآخر أثناء قيادة سيارته. وأشار طبيب عام إلى أن الاستشارات غالبًا ما تضل طريقها بشكل غير متوقع في المنطقة السيكولوجية، وعندما تكون الاستشارة عن بعد، يتوجب على الطبيب أن يكون حذرًا أكثر بكثير إن كان من المحتمل حضور أشخاصٍ آخرين.“

يشير أندرسون إلى أن أشد التهديدات التي تحيق بالسرية فيما يخص العمل عن بعد تأتي من أقرب الناس إلى المريض. من المحزن أن العنف الأسري شائع ويشكل مخاطر خاصة على الخصوصية، كما شرحت ذلك تدوينة عن موقع أخبار الخصوصية عبر الإنترنت. وبشكل خاص، إن عرف المعتدي كلمات مرور شخص ما، وسؤال استرجاع كلمة المرور، فعندئذٍ تضيع القدرة على توثيق هوية الناس. وإذا كان للمعتدي سيطرة على جهاز رقمي، واستطاع أن يثبّت برنامج تتبع عليه، سواء بالقوة أو عن طريق الاحتيال، فإن الوضع سيكون أسوأ.

قد يتم استهداف الخصوصية أيضاً لدى المحلل النفسي؛ فهناك صعوبة خاصة بشأن الحفاظ على السجلات الحساسة، والتي قد تُحفَظ على نظام خاضع لسيطرة شخص آخر — على سبيل المثال، تحت سيطرة المستشفيات أو شركات التأمين. الطريقة الوحيدة لزيادة خصوصية المرضى إلى أعلى مستوى هي ضمان المعالجين أنهم الوحيدون الذين لديهم القدرة على الوصول مباشر إلى ملاحظاتهم. ويشدد أندرسون على الصعوبة البالغة لاستخدام مادة اكلينيكية لأغراض بحثية دون انتهاك لخصوصية المريض. ويعتبر إخفاء الهوية بشكل خاص صعبًا إن لم يكن مستحيلًا بسبب وفرة البيانات الاكلينيكية. ويجعل هذا إعادة تحديد هوية أحدهم من المعلومات التي يفترض أنها مخفية أمرًا في غاية السهولة. وفيما يلي واحدة من أكثر نصائح أندرسون عمومًا:

”التوصية التي في الدليل المؤقت (الخاصة بجمعية التحليل النفسي الطبية) التي من شأن معظم المهندسين الأمنيين أن يعترضوا عليها هي النصيحة بتغيير كلمات المرور بشكل منتظم. ومن المعروف منذ سنوات عديدة أن سياسات انتهاء صلاحية كلمات المرور تميل إلى التسبب بضعف كلمات مرورنا، مثل kevin06 لحزيران أو kevin07 لتموز وهكذا. ولسوء الحظ، أصدر معهد المعايير والتكنولوجيا الوطني في الولايات المتحدة معيارًا يدعو إلى تحديد صلاحية كلمات المرور، وهو ما حاولت شركات المحاسبة الأربعة الكبرى بعد ذلك أن تفرضه على عملاء التدقيق لديها حول العالم. ولكن معهد المعايير والتكنولوجيا الوطني تراجع عن تلك الخطوة بعد الاعتراض الكبير من مجتمع سهولة استخدام الأمن. وسحب المعهد نصيحته الخاطئة في عام ٢٠١٧، لكن الشركات الأربعة الكبرى ما تزال تستدرك ذلك.“

لدى أندرسون أيضًا بعض الأفكار حول استخدام البرامج المضادة للفيروسات. ويقول أندرسون إن هذا يعني المعالجين والمرضى الذين يستخدمون نظام ويندوز المقدم من شركة مايكروسوفت، لكنه أقل لزامًا بالنسبة للهواتف الذكية والحواسيب اللوحية وأجهزة ماك (ومن المفترض بالنسبة للأنظمة المعتمدة على لينكس وGNU). ويشدد بدلًا من ذلك على أهمية إبقاء البرنامج محدثًا بالكامل: وتأكيدًا على ذلك وصل به الأمر إلى أن يقول ”حتى بالنسبة لأجهزة اللابتوب التي تعمل بنظام ويندوز فإن التحديث أهم من تشغيل برنامج مضاد للفيروسات“.

هناك جدلٌ كبير قائمٌ بخصوص المدى الذي ينبغي به أن يصير العمل من المنزل أمرًا طبيعيًا، أو على الأقل أن يكون خيارًا. ويحاجج البعض بأن العمل من المنزل يعطي مرونة عالية ومطلوبة للناس كي يوازنوا بين العمل والحياة الأسرية. ولكن يشير آخرون إلى الافتقار للتواصل الإنساني المباشر وإلى الطبيعة المُرهِقة للتعامل مع الناس افتراضيًا، خصوصًا بسبب ما يسمى ”إرهاق زوم“. ومهما كانت نتيجة ذلك الجدال، والذي من المرجح أن يشتعل للمزيد من الوقت ويؤدي إلى استنتاجات مختلفة في أجزاء مختلفة من العالم، فمن المهم ضمان فهم وحفظ دروس العمل من المنزل المنتشر على نطاق واسع. وهذا فيما يخص الخصوصية. عند استخدام اجتماعات الفيديو بشكل غير رسمي، كما كان ذلك هو الوضع الطبيعي حتى وقت قريب، لم يكن يعطى الأمن والخصوصية حقه من الاعتبار. لكن الآن وقد أدرك الناس والشركات هذه الإشكاليات وقد بدأوا بالتوصل إلى حلول لتعزيز الأمن أثناء المكالمات، يتوجب الاحتفاظ بهذه الدروس. وفي حال قمنا جميعًا بتطوير عملنا عبر الإنترنت إلى مستوى تفاعلات الطبيب والمريض التي يوصى بها في تقرير أندرسون، فإن ذلك سيكون نصرًا حقيقيًا للخصوصية.

 

تمت إعادة نشر هذا المقال من موقع https://www.privateinternetaccess.com وفقًا لرخصة المشاع الإبداعي - Creative Commons، للاطلاع على المقال الأصلي